بسم الله
أهلا بكم في “مدونة لام” نعرض فكرة بسيطة لها آثار عظيمة نرى من خلالها اللوحات الفنية لـ”حروف العلة” وتوازن حركة الطاقة في الكون.
آن الأوان لكي نفهم من أين جاءت قواعد لغتنا الجميلة ولماذا هي هكذا. آن الأوان لتغيير معتقد أنها صعبة ، فربما لم تُتَح الفرصة من قبل لرؤية منطقها أو لمس ترابط أفكارها. أعرف أنني كنت هكذا من قبل إلى أن درست الطاقة وتغيّر حالي من نقيض إلى آخر. ففكرت أن أدعوكم لتتمتعوا معي باللوحات الفنية التي ترسمها “حروف العلة” – الواو والألِف والياء.
لـ”حروف العلَّة” خصائص فريدة واستخدامات متعددة في اللغة العربية ، ولهذا انفردوا بهذا اسم الخاص الذي يجمع بينهم.
فـ “الواو” تمثل طاقيا الطاقة المتّجِهة إلى الداخل أو طاقة الانقباض والتقلص ، اللمّ والضمّ ، حيث إننا نفعل ذلك ب أفواهنا حين ننطق هذا الحرف.
و”الياء” تمثل الطاقة المتّجهة إلى الخارج أو طاقة الاتساع والتمدد ، وهذا ما نفعله أيضا بأفواهنا حين نبتسم ونحن ننطق أية كلمة تحوي هذا الحرف.
أما الألِف فتمثل الرجوع إلى الأصل ، إلى التوازن وهو حال وَسَط بين التقلص (الواو) والتمدد (الياء).
وقد يساعد الشكل التوضيحي المعروض على تخيّل الفكرة.
واللطيف أننا نُطلق على أحد وظائف مجموعة الحروف هذه لفظ “حروف المد” أي أننا نمد أي حرف في أحد الاتجاهين بعيدا عن التوازن – بالتقلص في اتجاه الواو أو بالتمدد في اتجاه الياء ، أو نُرجِعه إلى التوازن عند الألِف. فلو كان البُعد عن التوازن بسيطا فقط عبّرنا عنه بعلامات صغيرة فوق الحروف تقابل نفس هذا المفهوم ونسميها “حركات” أو “علامات تشكيل” – الضمة والفتحة والكسرة. من هذا يمكننا أن نفهم ونقدر دقة وجمال لغتنا العربية بشكل أعمق ، لأن التوازن هو أساس كل شيء في الكون ، والبعد عن التوازن لا بد وأن يرتد إلى التوازن حتى تستمر الحياة.
ولكن ما فائدة معرفة ذلك كله؟ بالمقارنة والقياس نستطيع أن نفهم لماذا احتوت كلمة “جموع” مثلا على (واو) ، لأن فيها لمّ وضمّ. كذلك من فكرة اللمّ والضمّ نفهم أيضا كيف أن الواو هي أساس جمع المذكر السالم.
إضافة إلى ذلك عندما نريد أن نعرف مَن قام بفِعل معين ، نبحث عن الفاعل أي نُصغِّر ونُركّز بؤرة النظر حتى نجده ، فنتجه في اتجاه الواو أو الضمة. ولهذا نضع ضمة على الفاعل لو كان مفردا أو جمع تكسير ، ونكتبه بالواو إن كان جمع مذكر سالم. وحين نركز على إيجاد الفاعل نكون قد ميّزناه عن غيره من المحيطين أي رفعناه ، ولذلك نقول أننا “نرفع” الفاعل.
ومن هذه الفكرة الطاقية البسيطة يمكننا كذلك أن نفهم لماذا تحوي اللغة العربية على قاعدة (دعا يدعو لكن كوىٰ يكوي) في الأفعال. تأمل في كون الماضي قد انتهى وأخذ كل شيء موضعه في توازن الكون (أي حرف الألِف في الفعل الماضي سواء كان ألِفا قائمة – في فعل دعا – أو مقصورة – في فعل كوىٰ) ، وكيف أن المضارع يحدث الآن أي متحرك وبالتالي يبعد عن التوازن في أحد الاتجاهين – اتجاه الواو أو اتجاه الياء. ثم تأمل في المعنى ، تجد أننا (ندعو) بشيء معين أو شخص معين (لمّ وضمّ) أي نتجه في اتجاه الواو ، ولكننا عندما (نكوي) فإننا نُسطِّح ما نكويه فتتسع مساحته – أي نتجه في اتجاه الياء. وهكذا إذا تأملنا في الكلمات المختلفة وما نعرفه عن اللغة ، نجد كثيرا من المنطق والفهم والتقدير للدقة والجمال.
وبنفس المعيار نفهم لماذا يختلف فعل (غاص) عن فعل (طار) وكل منهما تتوسطه الألِف. فمضارع غاص لا بد أن يكون (يغوص) لاتجاه الحركة إلى أسفل ، أما مضارع طار فلا بد أن يكون (يطير) حيث إن اتجاه الطيران دائما إلى أعلى.
فلماذا تبدأ أفعال المضارع بالياء؟ الأفعال حركة والحركة تكون بين نقطتين أو أكثر أي اتساع في المساحة ، إذن تبدأ بالياء.
وماذا عن “أسلوب التصغير” – بُحَيْرَة (بحر صغير) ، جُبَيْل (جبل صغير) ، مُعَيْصِم (معصم صغير) ، وغيرها؟ إن تصغير أي شيء يتم بتقليص حجمه ، لذلك تبدأ الكلمة بالضمة. ولكن لا ينتهي الأمر هنا ، فالمصغّر لا بد وأن يُعبّر عن الأصل ، إذن لا بد من المحافظة على توازنه ، ولذلك جاءت الياء الساكنة (التي تمثل الاتساع بقَدَر) لمعادلة اللمّ والضمّ الخاص بالضمة.
الفكرة بسيطة ، والأمثلة كثيرة ، والاكتشافات مثيرة – على الأقل بالنسبة لي ، وأحببت أن أشررككم فيها عسى أن تُحدث انطباعا لديكم. فلغتنا الجميلة مثل الجوهرة الثمينة تنتظر منّا أن نكتشف روائعها ونسعد بوجودها وهي تشع جمالا ورونقا كلما فكرنا فيها أو نطقنا بها.
أشكركم لوجودكم معي اليوم ، وإلى اللقاء في مدونة جديدة.
السلام عليكم
مدونة لام 