نشرت تحت تصنيف طاقة اللغة العربية

حكاية همزة الوصل

بسم الله

أهلا بكم في “مدونة لام” لعرض فكرة بسيطة لها آثار عظيمة هي اليوم “حكاية همزة الوصل” في لغتنا العربية الجميلة.

تبدأ “حكاية همزة الوصل” بفعل الأمر أي الحث على التحرك وفعل شيء.

فإذا أردنا الحث على التحرك – أو الأمر – بالفتح مثلا نقول “افتح” أو أردنا الحث على التحرك – أي الأمر – بالدخول نقول “اُدخل”.  واللغة العربية لغة بُنِيَت على أساس ثابت ومرونة عالية.  الأساس الثابت هو وحدات من ثلاثة حروف.  والمرونة العالية هي احتمالات تكوين أعداد غفيرة من الكلمات من هذه الحروف الثلاثة أو الوحدات الثابتة هذه بإضافة حرف أو عدد من الحروف في أوضاع مختلفة من الكلمة. ونُقصر الكلام هنا على إضافة حرف الألِف إلى بداية الفعل تحديدا .  فالأساس الثابتة للأوامر السابقة هي (فَتَحَ) و (دَخَلَ).  ونطق فعل الأمر ككلمة منفردة (افتح ، ادخل) سيظهر معه صوت همزة رغم أنها لا تُكتَب.  لماذا؟ لأن البدء في أي شيء من سكونه يقتضي شحذ كمّ كبير من القوة للانطلاق مثل السيارة.  ومعنى كلمة “همزة” في القاموس هو “ضغط وعصر” ، تماما ما نحتاجه لشحذ قوة الانطلاق هذه.  أما حينما يأتي فعل الأمر في سياق الكلام مثل (قُم وافتح) أو (تعالَ وادخل) فالحركة في الجملة مستمرة من كلمة إلى كلمة بانسيابية وما من حاجة لشحذ قوة إضافية بالضغط أو العصر ، فيختفي صوت الهمزة عند وصل الكلمات ببعضها البعض في الكلام.

لهذا كله سُمّيَت هذه الألِف في أول هذه الأفعال “همزة وصل” :  يصدر معها صوت همزة عند نطق الكلمة منفردة ، ويختفي أثر وجودها عند وصل الكلمة بما قبلها.

ولكن لِمَ تُنطق هذه الألِف بالكسرة في أغلب الأحيان؟  ولِمَ تصاحَب بالضمة في أحيان أخرى؟

الكسرة هي أقوى الحركات الثلاثة (الفتحة والضمة والكسرة) ، وأية سيارة تحتاج إلى دفعة قوية حتى تتحرك من وضعها الساكن.  أما قوة حركة الضمة الأقل من ذلك بعض الشيء فستجد أنها تناسب المعنى المطلوب تنفيذه من الأمر ، وستجد أيضا أن فعل الأمر هذا يحوي كذلك ضمة في أساسه الثابت ، أي أنهما متماشيان مع بعضهما البعض.

ثم لِمَ لا تُحذَف “همزة الوصل” كتابة إذا كانت لا تنطق مع انسيابية القراءة والكلام؟

هل تنزع بوابة الحديقة من سور المنزل كلما مررت بسيارتك منها دخولا وخروجا؟  أم تبقى مكانها ويتم فتحها فقط حتى تمر السيارة.  هكذا همزة الوصل ، تبقى كتابة ويتم المرور خلالها ببساطة.

وتستمر “حكاية همزة الوصل” مع بناء أفعال أخرى بإدخال مجموعة من الحروف على بداية الأساس الثابت ، من مثل : (انْـ) في كلمة (انطلَقَ) ، و(اتْـ) في كلمة (اتَّفَقَ) و(اجتَمَعَ) وهي أفعال من خمسة حروف أي أفعال خماسية ، وأيضا مجموعة (اسْتَـ) كما في (استراحَ) و(استخرَجَ) التي تتكوّن بها أفعال من ستّة حروف أي أفعال سداسية.  ويسري ما أسلفنا به من توضيح سابق أن الألف التي نجدها في بداية الفعل هي “همزة وصل” ، يسري على هذه الأفعال الخماسية والسداسية – والكلمات التي ترتبط بها مثل (انطلاق : من انطلَقَ) (اتفاق : من اتفَقَ) و (اجتماع : من اجتَمَعَ) أو (استراحة : من استراحَ) و(استخراج : من استخرَجَ) …. وهكذا … – أي يظهر صوت الهمزة إذا نُطقَت منفردة ، ويختفي أثر وجود الألِف رغم كتابتها عند وصل الكلمة بما قبلها.

والجدير بالذكر أيضا أن وجود “همزة الوصل” في اللغة العربية قد سهّل التعامل مع الكلمات الأجنبية التي تحوي حروفا ساكنة في أولها (مثل stadium, studio, stereo) عندما نستخدمها ضمن كلمات لغتنا ، فنضيف إليها حركة في البداية من خلال “همزة الوصل” وننطقها (استاد ، استوديو ، استريو).  وأهم ما في الأمر أننا دائما ما نكتب الألِف في هذه الكلمات (وغيرها) ، ولا نكتب بها “همزة” أبدا.

انظر حولك والعب معي لعبة (وجدت واحدة!) وانتبه لهمزة الوصل التي دخل عليها بالخطأ كتابة الهمزة.  لعبة مسليّة ومفيدة في نفس الوقت ، وتجعلنا نقدّر “حكاية همزة الوصل” لأنها بسيطة عندما نفهمها.

أشكركم لوجودكم معي اليوم ، وإلى اللقاء في مدونة جديدة.

السلام عليكم

المعلق:

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s