بسم الله
أهلا بكم في “مدونة لام” لعرض فكرة بسيطة لها آثار عظيمة في التحضير لـ “رحلة القطار والسفر بالطائرة”.
لطالما تعجبت في المجتمع الذي نشأت فيه من عادات السفر. يأتي المودعون إلى المنزل ليلة الرحلة أو السفر، ويأتون إلى محطة القطار أو المطار وقت السفر بالدعاء والدموع ، وتقام المحزنة في بيت المسافر بعدما سافر. وعندما فكرت في الموضوع كان سهلا عليّ أن أفهم الدعاء ، ولكن لماذا الدموع؟ تخيّلت أنها تعبير عن الحزن لبُعد أو فقدان غالي ، ولكني اكتشفت أن الموضوع أعمق من ذلك بكثير ، فالدموع أيضا تعبير عن الخوف. فقد قالت إحداهن عندما سافر ولدها للدراسة في الخارج : أخاف عليه مما قد يواجهه في الحياة. وقالت أخرى عندما توفيت جدتها : تركتني وراحت. وقال آخر عندما تزوج ابنه : هل سيستطيع أن يبني بيتا ويحافظ عليه؟ واستنجدت أخرى عندما توفّي والدها : ادعوا له بالجنة. تعبيرات تشير إلى وجود ثغرة أو ثغرات في التحضير للارتحال أو السفر إلى مرحلة جديدة – مهارات مفقودة ، تدريب لم يحدث ، معلومات ناقصة.
ورغم أن معظمنا يصبّ تفكيره في أولاده وكيف أنه يريد أو يوفّر لهم الأفضل دائما ، إلا أن فاقد الشيء لا يعطيه ، مما يعني أننا يجب أن نبذل الجهد لتنمية أنفسنا أولا – تنمية أنفسنا أولا – حتى نفيد أولادنا في حياتهم.
فما لديّ من معلومات ومهارات يشكّل تصرّفاتي وأفعالي. فإذا رآها أولادي تعلموا منها ، وإذا سمعوا أفكاري عن موضوع معين استفادوا منها ، وإذا تدبّرت أنا في الأمور وأدركت جذور الخلل في أي موضوع أو علاقة من العلاقات وتحاورت فيها مع أولادي ، استطعت أن أسلحهم لتلك المرحلة الجديدة في الحياة. إذن يجب أن أحضّر نفسي أولا.
فلنفترض أنني خلال رحلة حياتي أدركت (أو تعلمت في صغري) :
- أن أي خلاف ينشأ أو يستمر بين طرفين يكون كل طرف منهما قد ساهم في خلق الخلاف أو استمراره ،
- وأن عبء تحسين الوضع بالتالي يقع على كل منهما.
فإذا ما أدركت ذلك (أو تعلمته في صغري) ونفذته في حياتي ، سوف يتعلمه أولادي منّي بالممارسة ، ويكون ذلك جزءا من تحضيرهم للنجاح في الحياة الزوجية مثلا. ولنفترض أنني استطعت أن أقوم بدوري في تحسين الوضع بأن أعدّل فكري وتصرفي – إما بالاستماع ، أو اختيار الألفاظ ، أو النظر إلى الأمر من منظور مختلف ، أو تقدير قيمة ما يطلبه الطرف الآخر – أكون قد جهّزت أولادي للتعامل مع مواقف وشخصيات مختلفة في مراحل حياتهم المستقبلة.
ثم لنفترض أنني أواجه مواقف الحياة بالتفكير في حلول مختلفة قد تفيد للخروج من المآزق (في حدود ما يرضي الله طبعا) ، وأنني أشرك أبنائي وبناتي في هذا التفكير. لقد تعلّموا إذن وتدربوا على التفكير في حلول وهم في كنفي والحمد لله ، وعلموا كذلك أن هناك دائما من يمكن أن يلجؤوا إليه أو يتواصلوا معه إذا احتاجوا.
ويستلزم التحضير لأي شيء التدبّر – تدبّر ما يجب الإقلاع عنه وما يجب إضافته ، وكذلك تدبّر كيفية النجاح في الإقلاع عن الشيء المطلوب إيقافه وكيفية النجاح في إضافة شيء مطلوب إضافته. والتدبر يستلم قرارا ، والقرار يتبعه تنفيذ. فلنؤلف في خيالنا موقفا كامل الحوار والتفاصيل له أثر إيجابي على الطرف الآخر ، ولننتبه في خيالنا لاستحسان الطرف الآخر للفعل الجديد الذي قمنا به في هذا الخيال. أنت المؤلف وأنت كاتب الحوار ومنفذ الأحداث. فأدخِل في خيالك بين الحين والآخر تحسينات على التفاصيل حتى يستمر الأثر الطيب الجديد حينما تنفّذ الفعل في الواقع، واستمتع.
بذلك تكون رحلة القطار والسفر بالطائرة فيها راحة واطمئنان لكل من المسافر والمودّع في نفس الوقت إن شاء الله.
أشكركم لوجودكم معي اليوم وإلى اللقاء في مدونة جديدة.
السلام عليكم