بسم الله
أهلا بكم في “مدونة لام” لعرض فكرة بسيطة لها آثار عظيمة نستطعمها في “مِستِكَة وحبّهان”.
تقريبا كل سيدة مصريّة تعرف أنها عندما تضيف “المِستِكَة والحبّهان” للشوربة أثناء الطهي فهي تضيف طعما مميزا ونكهة مميزة تسرّ الشاربين. هكذا تعلمنا من الأجيال السابقة. وكل متحدث للغة العربية الفصحى يفعل نفس الشيء عندما يتكلم بهذه اللغة الجميلة – يستخدم “المِستِكَة والحبّهان”. هكذا تعلمنا من الأجيال السابقة. والطعم والنكهة المميّزان في اللغة العربية نطلق عليهما اصطلاح “النحو والصرف”.
فماذا تعطينا “المِستِكَة والحبّهان” في اللغة العربية؟
“المِستِكَة” التي تعطي طعما للشوربة تحفّز إفراز كافة الإنزيمات المهضّمة اللازمة لهضم كل عنصر من عناصر الأكل ، وهي – في نظري – مثل النحو الذي يدل على قَصْد الكلام ، وقَصْد أصول الكلام حسب ما كان العرب تتكلم به ، فيستطيع المستمع – بالنحو – إدراك القَصْد وتفاصيل ما يقال إذا عَلِمَ أن اللغة تتكون من اسم وفعل وحرف ، ويستطيع عقله هضمها أي التمييز بينها وبين تفاصيلها ، وإذا عَلِمَ كذلك بناء التعبيرات المختلفة مثل الجملة الاسمية والفعلية والشرط وغيرها.
أما “الحبّهان” فهو النكهة التي تسرّ السريرة وتسعد الروح فتعود إلى هدوءها واطمئنانها وتوازنها مع الحياة. وهكذا هو – في نظري – الصرف في اللغة الذي يدل على رَجْع الشيء ، والرجوع من حال إلى حال مثل صرف الدولار إلى دراهم أو العكس. لذا ندرس في الصرف كيف تتكون الكلمات وكيف تتحول من حال إلى حال رجوعا إلى أصلها. فمثلا لماذا تكونت الكلمات من الحروف المعينة التي نراها فيه (ونعبر عن ذلك بـ”وزن” الكلمة)، ولماذا تحوي لغتنا العربية على صيغة المفرد والمثنى والجمع خلافا عن لغات أخرى لا تحوي صيغة المثنى ، أو لماذا تركّز لغتنا الجميلة على الفرق بين المذكر والمؤنث خلافا عن لغات أخرى لا تعرف هذا الفرق. وكيف نقوم بالتعبير عن التصغير أو التفضيل أو المبالغة بكلمة واحدة (لها “وزن” معيّن) يطول شرحها في بعض اللغات الأخرى. كل هذا والأصل فيه رجْع كل شيء إلى التوازن الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في كل شيء بما في ذلك اللغة.
المهم في “المِستِكَة والحبّهان” أنهما يختلطان في الشوربة ليعطيا أثرا فريدا مميزا. ولا يُقدِّر وجودهما إلا من ذاق الشوربة بدونهما. هكذا هو الإعراب ، يساعدنا أن نستطعم “المِستِكَة” في الفعل والفاعل والمفعول المرفوع والمنصوب والمجرور ، ونستطعم “الحبّهان” في الأوزان.
وأجمل ما في الأمر أن “المِستِكَة والحبّهان” (الطعم والنكهة) في لغتنا الجميلة يحفظان لنا المعنى من اللبس أو الخلط مهما تغيّرت مواضع الكلمات في الجملة (كالضمة على الفاعل مثلا تُعرّفه لنا أينما ذُكِر في الجملة) ، ويمتد أثر “المِستِكَة والحبّهان” (الطعم والنكهة) إلى أعماق الشِّعر العربي في رسم صور ذات أبعادٍ ومعانٍ تساوي لذة الشوربة أو تفوقها.
فلنستطعم طعم النحو ونكهة الصرف ، “مِستِكَة وحبّهان” اللغة العربية ، وهنيئا لنا!
أشكركم لوجودكم معي اليوم ، وإلى اللقاء في مدونة جديدة.
السلام عليكم