بسم الله
أهلا بكم في “مدونة لام” لعرض فكرة بسيطة لها آثار عظيمة نستقيها من “تمرين التمهّل”.
تأخرت عليكم هذا الأسبوع لانشغالي مع بعض ممن يعانون من الضيف الثقيل الذي تفشّى في العالم في جولة جديدة – والذي يتعيّن على غير المصابين به الوقاية منه بقدر الإمكان ، والمصابين به التعايش معه حتى يتحسّن حالهم إن شاء الله.
يعلم الجميع أن أهم عنصر في الموضوع هو النَفَس ، وأحرى بهم أن يعلموا أن أهم عنصر في النَفَس هو تصحيح الأعطال في جهازه –أي في الجهاز التنفسي. وهؤلاء الذين يتعايشون مع الحالة في البيت هم في الواقع من قد يكونون أكثر احتياجا لما أقدمه اليوم – لو لم تصل إليهم المعلومات من مصادر أخرى – حتى تتحسن إن شاء الله قدرة الجهاز التنفسي على استيعاب الهواء من الخارج والاستفادة منه في الداخل.
هناك ثلاثة أسباب لضعف أداء الجهاز التنفسي أصلا (أي بدون إصابة من الخارج): السبب الأول هو التوتر (عكس الهدوء). والسبب الثاني هو التوتر (عكس التمهّل). أما السبب الثالث فهو التوتر (عكس الاسترخاء).
والحل الذي أسلّط عليه الضوء اليوم – حيث إن الإصابة قد حدثت من الخارج كذلك – هو “تمرين التمهّل”. وهو عبارة عن تمهّل مقصود في كل شيء يخص المصاب – تمهّل في النَفَس ، في الحركة ، في الكلام ، تمهّل داخلي ، وكذلك تمهّل الآخرين من حول المصاب.
فلننظر أولا إلى النَفَس
هناك فائدة من التمهّل في التنفس ، أي أن يتنفس المصاب ببطء ، فيأخذ النَفَس ببطء ويزفر ببطء لأن التركيز على النَفَس من وسائل الاسترخاء. فكأنه يقوم بالشهيق في خطوات معدودة ، ويقف بين الشهيق والزفير لحظات معدودة ، ثم يعدّ خطوات الزفير كذلك. عادة ستكون خطوات الزفير أكثر عددا من الشهيق بعدّة واحدة أو اثنتين ، وعادة ما يساعد ذلك على زيادة عدد خطوات الشهيق شيئا فشيئا بصورة طبيعية وهو المطلوب. المهم أن يكون التنفس بهذا الأسلوب مجرد تقرير للواقع الموجود وليس محاولة للوصول إلى أي هدف آخر.
أسردت لي سيدة عن تجربة لها عندما تقدّمت لعمل أشعة خاصة على الرئة (سي تي سكان) : “طُلِب مني قبل أن يبدأ الجهاز أن أرفع ذراعيّ فوق رأسي ، وأن أتبع التعليمات التي يلقيها عليّ الجهاز. وكان الطلب بسيط : “خذ نَفَسا واحتفظ به” ، وبعد عدة ثوان كان الطلب الآخر : “ازفر وتنفس بصورة اعتيادية”. وقد تكرر ذلك ثلاث مرات.” تقول أيضا : “إن ما أثار انتباهي هو أنني عندما نفذّت الطلب الأول وهو أن آخذ نَفَسا وأحتفظ به – وأنا في وضع ذراعيّ فوق رأسي – استطعت أن آخذ نفسا أعمق مما تصورت أنني قادرة عليه. كذلك لاحظت أن الاحتفاظ بالنَفَس كان سهلا إلى حد ما ولم أسعل (لأنني تحركت ببطء في الشهيق والزفير). وقد حثني ذلك على تنفيذ هذا كتمرين في البيت عدّة مرات يوميا: أرفع ذراعيّ فوق رأسي ، آخذ نَفَسا بقدر استطاعتي ببطء ، احتفظ به لمدة ثوانٍ ، ثم أزفر ببطء أيضا وأتنفس بصورة طبيعية لبعض الوقت ثم أكرر التمرين عدة مرات. وقد اعتمدت هذا التمرين كجزء من روتينيات أيامي.”
وتستمر في السرد : “أمر آخر لاحظته في المصابين الآخرين في العيادة الطبية التي زرتها ، وهي أنهم يقاومون ضيق النَفَس ويحاولون أخذ نفس أعمق مما يتيحه لهم جهازهم التنفسي وينتج عن ذلك ضرورة الكحّ.”
إن ملاحظة هذه السيدة صحيحة. فالكحّ هذا في حد ذاته وإن كان ردّ فعل طبيعيا إلا أنه يفاقم الوضع العسير. فإذا ما استطاع المصاب أن يحوّل الكحّ إلى نفخ (أي أن ينفخ بقوة بدلا من الكحّ) ، تفادى الاحتقان الزائد الناتج عن الكحّ ، وبقي في حيّز التنفس واستطاع أن يُبطئ تنفسه تدريجيا إلى مستوى راحته.
ولو أضفنا تمرينا من الجنشن جيتسو لمساعدة عضلات الرئة على الاسترخاء والانفتاح أثناء التنفس ببطء ، يمكننا عمل دائرة باستخدام الإبهام وإصبع الخاتم بحيث يغطي الإبهام ظفر إصبع الخاتم. وسواء نفذنا ذلك بيد واحدة أو بكلتا اليدين في نفس الوقت ، فسوف تنفتح الرئة شيئا فشيئا ليتحسّن التنفس بإذن الله.
ثانيا : لننظر إلى الحركة
“تمرين التمهل” هنا عبارة عن التمهّل المقصود في كل حركة يقوم بها المصاب – يرفع يده ببطء ، يلتفت ببطء ، يقوم من مكانه ببطء ، يمشي ببطء. والمفيد في ذلك أن احتياج البدن لن يتعدى قدر النَفَس المتاح ، وسوف يتيح الفرصة للعضلات أن تسترخي مما له أثر إيجابي على التنفس وغير التنفس.
ثالثا : الكلام: بطبيعة الحال لن يكون للمصاب رغبة في الكلام أصلا ، ولكن مع التحسن بإذن الله يا حبذا لو يتذكّر المصاب أن يُبقي كلامه أيضا ببطء ، وكلماته متفرقة ، وصوته منخفض لأن الصوت العادي يستهلك هواء أكثر أثناء الإلقاء.
رابعا : لنتعرف على التمهّل الداخلي
التمهّل الداخلي يكون من شقين : أحدهما حين يتمهّل المصاب في استخدام عقله ، فيقرأ الكلمات التي أمامه ببطء ، ويقرأ قرآنه أثناء الصلاة ببطء ، ويردد التسبيح ببطء …إلى آخره … وما دخل ذلك بالموضوع؟ نعرف أن القدر الأعظم من الأكسجين الذي نتنفسه يوجّه إلى المخ ، لذا وجب ترشيد الاستهلاك هناك أيضا.
يظهر الشق الآخر من التمهّل الداخلي عند ملاحظة التطورات. فنتمهّل مثلا في توقع التحسن ، فالتحسن عادة بطيء ويستلزم الصبر. المهم أن نقوم خلال هذه الفترة بملاحظة أية فروق إيجابية في النَفَس مهما كانت بسيطة ، فهي مدعاة للتفاؤل ومحفزة لمزيد من التحسن (هل التنفس أسهل ، هل إحساس ضيق الصدر أقل ، هل النَفَس أعمق مما قبل ولو بقدر بسيط ، هل يمكن أن آخذ نَفَسا بدون الرغبة في الكحّ ، هل إحساس الرطوبة الداخلية أقل من قبل) ، إلى آخره من التفاصيل الرافعة للروح المعنوية.
كذلك يصحّ أثناء ملاحظة التطورات أن نتمهّل قبل الانطلاق مع أية أفكار تشاؤمية قد تصاحب أي تدهور في الأعراض. فبدلا من الانجراف في الأفكار السلبية مباشرة نقوم ببساطة بملاحظة الأحداث التي سبقت التدهور ، ثم نقوم ببساطة أيضا بتعديلها فيتحسن الأمر بإذن الله. فمثلا (هل نسيت أو تكاسلت عن تمرين التنفس اليوم ، هل ضاق نَفَسي بعد التمادي في الأكل ، هل بذلت مجهودا صباح اليوم ، هل أثار كلام فلان التشاؤمي خوفي على نفسي) وغيره من التجاوزات والأحداث التي يمكن أن تُحِدّ فعلا من انسيابية التحسّن ، ولكنّ تعديلها أمر سهل وبسيط. والجدير بالذكر أن الإحساس بالتحسن في أي مرض يكون واضحا أثناء النهار أكثر منه في المساء. لذا وجب أخذ ذلك في الاعتبار أيضا للمحافظة على الروح المعنوية المرتفعة.
خامسا : لنتوقف لحظة مع تمهّل الآخرين
أما تمهّل الآخرين من حول المصاب فهو التمرين الهام المنوط بهم ، وإن لم يتمهّلوا فعلى المصاب إرشادهم بهدوء بهذه الأهمية له وحوله بمثل : انتظر ، تمهّل معي ، تحرك ببطء وأنت معي ، ابتسم في وجهي لو سمحت ، خذ رأيي قبل أن تفرض عليّ شيء …. إلى آخره من الإرشادات. والمهم هو الهدوء ، فالهدوء يساعد على التمهّل والتمهّل يساعد على الهدوء.
كل شيء ممكن بالتمهّل بإذن الله ، والله الشافي المعافي.
أشكركم لوجودكم معي اليوم ، وإلى اللقاء في مدونة جديدة.
السلام عليكم