بسم الله
أهلا بكم في “مدونة لام” لعرض فكرة بسيطة لها آثار عظيمة نتخطى من خلالها عثرة الـ “عَشَرْتاشَر”.
إذا كنت ممن ساهم في تدريب أي طفل على العدّ بالترتيب ، فستكون ممن تعرّف من خلاله على الـ “عَشَرْتاشَر”. والـ “عَشَرْتاشَر” ، في اللهجة المصرية ، تطوُّر طبيعي لرقم “تسعتاشر” (أي الرقم تسعة عشر) في أذهان الأطفال البسطاء الذين يستكشفون هذه الحياة في كَنَف مَن يراعونهم. فنأتي نحن البالغون في لحظة فخرهم بالإنجاز العظيم في الوصول إلى للرقم “عَشَرْتاشَر” لنُعْلِمهم بضرورة الانتقال إلى كلمة جديدة تعبّر عن مرحلة جديدة في العدد ، ثم نرى في عيونهم نظرة الحيرة والارتباك وهم يتّبعون الإرشاد دون فهم. إن كنت من أبطال الـ “عَشَرْتاشَر” هؤلاء فالـ “عشرون” بانتظارك.
من واقع اللغة العربية تُسمّى الأرقام “عشرون” ، “ثلاثون” ، “أربعون” ، إلخ … “ألفاظ العقود”. أول مرة أنتبه لهذه التسمية بصراحة وأبحث في معناها. فما هي العقود؟ ولِمَ نُسمّي هذه الأرقام بتلك التسمية؟
يقول قاموس “معجم المقاييس في اللغة” لابن فارس المتوفى سنة 395 هـ :
(عقد) : العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شَدٍّ وشِدّةِ وثوق ، وإليه ترجع فروع الباب كلها. وللاختصار هنا – حيث أفرد المعجم صفحتين كاملتين لهذه الكلمة – نسرد بعض المحتوى فقط.
فمعنى (عقد) يحتوي على : العهد ، الوجوب والإبرام ، الإيجاب ، المساحة ، الاتخاذ ، الاقتناء ، التمسك ، التصلب ، الثبات ، مواضع في نظام ، تطويق للعنق ، التراكم والاجتماع. كل هذا في معنى (عقد).
وحيث أن ما يبقى من أحداث الحياة في أذهاننا هو الذكرى ، إذن نخلص من هذه المعاني أن ما اتخذت أنا من أفكار في طفولتي ، وعاهدت نفسي على إقامتها واحترامها (وجوبه وإبرامه) في أسلوب حياتي (الضيعة) لضرورتها ونفعها لي في ذلك الوقت ، أصبحت هذه الأفكار مِلك لي (اقتناه) أتمسك بها فلا أنزع عنها أو أغيرها ، فتَصلُب وتَثبَت في مواضع معينة من نظامي الفكري ، إلى أن تُطوِّق عنقي كالمِعقاد. وبعد فترة تشُدّ عليّ هذه الأفكار المتراكمة المجتمعة ويشتد وثوقها كالعقدة في مشوار حياتي.
أي أن هذه الأرقام التي نسمّيها “ألفاظ العقود” تنبهنا إلى أننا ينبغي بالضرورة أن نقف مع أنفسنا وقفة ونتخذ اللازم لحل التراكمات الموجودة من المرحلة المنتهية من حياتنا قبل أن تشتد وتقوى وتصبح “عقدة” تعوق تقدمنا في المرحلة الجديدة. يا إلهي! ألا يعني ذلك أنه كلما تقدم الشخص في العمر وهو في غفلة من هذا المعنى ، فهو يمشي “معقدا” ؟!
ولكن لماذا يا ترى هذه الآلية في الحياة – لماذا تتجمّع الأفكار والأحداث المرتبطة بها في عُقَد لو أجلنا تصفيتها؟ ألا نفعل ذلك في تنظيم ملفاتنا في الكمبيوتر عندما تزيد الملفات في موضوع معين فنجمعها في حافظة باسم هذا الموضوع؟ ونفعل ذلك لتوفير مساحة لملفات جديدة في موضوعات جديدة؟ وتبقى الحافظات والملفات في طي النسيان ولكن تحت الطلب؟ فعقلنا يفعل نفس الشيء في ملفات أفكارنا. يحفظها في الذاكرة (ونحن تعتقد أنها في طي النسيان) ، وتُفتَح كلما تَطرّق الزمن لأي موضوع يرتبط بها.
فماذا لو كانت علاقة العمل مع عميل معين سلبية ونتج عنها مشقات للمنشأة التي ترأسها أنت؟ ماذا أنت فاعل بملفات هذا العميل؟ هل ستجترّ انفعالاتك كلما تذكرت المشقات التي وقعَت فيها المنشأة من جراء هذا العميل؟ أم تستنبط من هذا التعاملات ما يفيد منشأتك في تعامل أفضل مع عميل جديد؟ وتشكر في أعماقك هذا العميل لما قدمه لك من فرصة لتحسين عملك والنهوض بمنشأتك؟
هكذا نحن مع ملفات أفكارنا. بعضنا يجترّ المشقّات ويدور في حلقات انفعالية مفرغة ، والبعض الآخر يكوّن أفكارا جديدة مبنيّة على المنطق المعقول والتي تحل تلك العقد وتفتح ملفات جديدة بأفكار جديدة لمرحلة جديدة في الحياة.
“حلال العقد” موجود داخل كل منّا إن إردنا وسمحنا لأنفسنا باستخدامه ، وعلمنا كيف نستخدمه استخداما بناء. أُفرد لـ “حلال العقد” – إن شاء الله – مدونة مستقلة ، لكل من كان على استعداد للتحرك من سنة “عشرتاشر عشرتاشر” التي بدأت في يناير ، لينظمّ إلى سنة “عشرين عشرين” قبل نهايتها.
عَشَرْتاشَر أم عشرون : الاختيار لك!
شكرا لكم على اهتمامكم ، وإلى اللقاء في مدونة جديدة.
السلام عليكم